سلطنة عمان وعبق التنوع الثقافي: فسيفساء من التقاليد والهوية المتجددة
من الجبال إلى السواحل، ومن الأسواق القديمة إلى المنصات الرقمية: قراءة موسعة في تعددية الثقافة العمانية

مقدمة
سلطنة عمان، بتاريخها العريق وجغرافيتها المتنوعة، تحتضن واحدًا من أغنى أشكال التنوع الثقافي في شبه الجزيرة العربية. إذ تشكّلت هويتها من تفاعل حضارات البحر والبر، وتداخل أعراق متعددة، وموروثات ضاربة في عمق التاريخ. هذا التنوع لم يكن مجرد نتاج التعدد الإثني والجغرافي، بل هو منظومة متكاملة من السلوكيات والعقائد واللغة والفن، تُجسّد روح التعايش والتسامح. في هذا المقال الموسّع، نستعرض أبرز ملامح هذا التنوع، ونرصد أثره في بناء المجتمع العماني المعاصر.
- الجغرافيا كمرآة للثقافة
تتميّز عمان بامتدادها من أقصى السواحل الشرقية إلى أعماق الصحراء الغربية، مرورًا بجبال الحجر وسهول الباطنة وظفار. لكل بيئة خصائص ثقافية مميزة:
- جبال الحجر: تشتهر بالعادات الزراعية القديمة، واللباس الجبلي، والأغاني المرتبطة بالمواسم.
- المناطق الساحلية: ثقافة بحرية غنية بفنون البحر، وطقوس الصيد، وعلاقات تاريخية مع سواحل أفريقيا والهند.
- ظفار: نمط ثقافي مختلف يتأثر بالموروث اليمني والبيئة الموسمية، ويُعرف بمهرجان الخريف الشهير.
- تعدد الأعراق والأصول
عمان كانت ولا تزال ملتقى تجاريًا وثقافيًا، مما جعلها حاضنة لأعراق متعددة:
- العرب (من قبائل عمانية كالهُناءة والنباهنة).
- البلوش والفرس نتيجة الهجرات السياسية والتجارية.
- السواحيليّون والزنجباريّون من شرق أفريقيا.
- وجود أفراد من أصول هندية وبهلوية استقروا منذ قرون.
يندمج الجميع في نسيج اجتماعي متماسك يربطه الدين والولاء الوطني.
- التنوع اللغوي واللهجي
اللغة الرسمية هي العربية، لكن المشهد اللغوي أوسع من ذلك:
- اللهجات العمانية متعددة وتشمل لهجات أهل الجبل والساحل والبادية.
- السواحيلية منتشرة في بعض المناطق خاصة في الأسر ذات الأصول الزنجبارية.
- البلوشية في مناطق مثل صور والبريمي.
- اللغة الجبالية والشحرية في محافظة ظفار.
- الفارسية والهندية في بعض البيئات التجارية.
- اللباس التقليدي كهوية مرئية
كل منطقة في عمان تعبّر عن ثقافتها من خلال اللباس:
- زي الرجال يتنوع في لون الدشداشة ونوع الخنجر والمُصر.
- أزياء النساء تختلف تمامًا بين مسقط وظفار وصحار وبهلاء من حيث اللون، والحِلي، والتطريز.
- المطبخ العماني: تاريخ يُؤكل
المأكولات العمانية تروي قصص التبادل التجاري والثقافي:
- الشوا والهريس تعكس روح البداوة.
- القبولي والمكبوس يتأثران بالمطبخ الهندي.
- المأكولات البحرية مثل السمج المشوي تعكس بيئة الساحل.
- استخدام البهارات كالقرنفل والهيل يشير إلى التأثيرات الزنجبارية والهندية.
- الفنون الشعبية كذاكرة حية
- الرزحة: فن حرب شعري يصاحبه الرقص.
- العازي: يُلقى في المناسبات الرسمية.
- الونة والدان: فنون نسائية في بعض القرى.
- النهمة واليامال: أغانٍ بحرية ترتبط بالعمل في البحر.
كل فن يحمل رمزية خاصة، ويعبّر عن بيئة مختلفة.
- الأمثال الشعبية: حكمة المجتمع
الأمثال الشعبية في عمان تُشكّل موروثًا شفهيًا عظيمًا، مثل:
- “من خلى داره قلّ مقداره” – يحث على الانتماء.
- “اللي ما يعرف الصقر يشويه” – يدل على قيمة الفهم قبل الحكم.
- دور المرأة في التنوع الثقافي
المرأة العمانية ليست فقط ناقلة للثقافة بل صانعتها:
- تلعب دورًا رئيسيًا في نقل العادات من جيل إلى جيل.
- تُبدع في صناعة الحِلي والنسيج والغزل.
- تتصدر مشهد الفنون النسوية والاحتفالات القروية.
- المناسبات الدينية والاجتماعية
- العيد والهبطات: تتنوع مظاهر الاحتفال من ولاية لأخرى.
- الأعراس التقليدية تحمل تفاصيل ثقافية فريدة (الحنة، الزفة، اللبس).
- احتفالات ختم القرآن، والسبوع، والعقيقة.
- التعايش الديني والمذهبي
عمان دولة إباضية المذهب رسميًا، لكنها تحتضن:
- المذهب السني والشيعي، دون نزاع مذهبي.
- جوامع ومساجد تجمع المختلفين في صلاة واحدة.
- أعياد ومناسبات يُحتفل بها من الجميع بروح منفتحة.
- المؤسسات الثقافية ودورها
- وزارة الثقافة والرياضة والشباب تدير فعاليات وطنية لحفظ التراث.
- المتاحف مثل متحف بيت الزبير، ومتحف قوات السلطان.
- الجامعات والمراكز البحثية تدرس وتوثّق التراث الشفهي والملموس.
- التأثيرات الخارجية في الثقافة العمانية
علاقات عمان التاريخية مع:
- الهند: تأثير في الطهي، المجوهرات، والنقوش.
- زنجبار: أثر واضح في الموسيقى، اللباس، واللغة.
- الفرس: فنون معمارية، وأساليب تجارية.
- الثقافة البصرية والمعمار
- البيوت الطينية في نزوى.
- الحصون والقلاع مثل قلعة بهلاء.
- الأسواق القديمة مثل سوق مطرح تعكس روح التعدد.
- الإعلام والرقمنة في خدمة التنوع
- البرامج الثقافية العمانية تبرز اختلاف البيئات المحلية.
- التوثيق الرقمي عبر منصات كـ”أرشيف عمان” و”التراث العماني”.
- مبادرات شبابية توثق الأغاني الشعبية، الطبخ، اللهجات عبر السوشال ميديا.
خاتمة موسعة
التنوع الثقافي في عمان ليس حالة اجتماعية عابرة، بل هو بنية عميقة تستند إلى التاريخ والجغرافيا والدين والسياسة. هذا التنوع يُنتج شخصية عمانية مرنة، تستوعب الآخر، وتفتخر بموروثها، وتتطلع إلى مستقبل يحترم التعدد دون أن يُفرّط في الهوية.