الاقتصاد و التكنولوجيا
التكنولوجيا و اثيرها على الاقتصاد

هل تفوقت التكنولوجيا على النفط؟
يُعتبر الاقتصاد المعرفي اليوم محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، حيث يعتمد على الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لا شك أن التطور التكنولوجي السريع قد أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، وأصبح أحد العوامل الحاسمة في تحديد مسار الدول اقتصاديًا.
دور التكنولوجيا في الاقتصاد العالمي
تعمل العديد من الدول على استغلال التطور الرقمي لتحقيق مكاسب اقتصادية، متجاوزة بذلك الأزمات المالية والاعتماد التقليدي على الموارد الأولية. فهناك دول كانت تعتمد على الاستيراد وأصبحت من المصدرين، ليس فقط للمواد الخام أو النفط، بل للآلات الصناعية والأجهزة الإلكترونية كما هو الحال في اليابان. فرغم أن هذه الصادرات قد لا تضاهي المنتجات التقليدية من حيث الكمية، إلا أنها تلعب دورًا رئيسيًا في الميزانية الوطنية.
التكنولوجيا والاقتصاد: من التبعية إلى الريادة
لنفترض أن دولة تعتمد كليًا على الاستيراد دون أي مردود اقتصادي من الصادرات، فإنها ستواجه أعباء مالية كبيرة بسبب الديون. لكن إذا قامت هذه الدولة بالاستثمار في تصنيع منتج جديد، مثل السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، واحتكرت إنتاجه بأسعار تنافسية، فإنها ستتحول من مستورد إلى مصدر، مما يعزز من إيراداتها الوطنية. وهذا ما قامت به دول عديدة، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من بنيتها الاقتصادية.
تصنيف الدول وفقًا للتطور التكنولوجي
ساعدت التكنولوجيا في تقسيم العالم إلى ثلاث فئات:
- دول صناعية تمتلك قاعدة تكنولوجية حيوية وغير مقيدة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين.
- دول صناعية بقاعدة تكنولوجية مقيدة تنتج بضائع غير استراتيجية، مثل اليابان وألمانيا وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية.
- دول لا تمتلك قاعدة تكنولوجية متقدمة، وتضم دول العالم الثالث وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والعديد من الدول العربية والإسلامية.
بسبب هذا التقسيم، أصبحت دول الفئة الثانية والثالثة سوقًا مفتوحة للصناعات الاستراتيجية التي تنتجها دول الفئة الأولى، وخاصة الصناعات العسكرية.
نماذج لدول نهضت بالتكنولوجيا
اليابان: من الفشل إلى العالمية
قبل الحرب العالمية الثانية، نشأ طفل يُدعى “سويتشيرو هوندا” في بيئة فقيرة لكنه كان شغوفًا بالميكانيكا. بعد الحرب، قرر دخول مجال صناعة الدراجات النارية، رغم المنافسة الشديدة، ونجح في غزو الأسواق اليابانية ثم الأمريكية. لاحقًا، توسعت شركته لتصبح أحد أكبر مصنعي السيارات في العالم، رافعًا اسم “هوندا” إلى قمة الصناعات الميكانيكية العالمية.
الصين: التحول إلى مصنع العالم
بعد الحرب العالمية الثانية، أدركت الصين أهمية الاستثمار في الإنسان قبل أي شيء. من خلال التركيز على التصنيع والإنتاج، أصبحت الصين الدولة الأكثر تصديرًا في العالم، حيث لا يكاد يخلو منزل من منتج صيني. لقد حققت الصين هذا النجاح بالاعتماد على الابتكار التكنولوجي والإنتاج الواسع النطاق.
ألمانيا: المعجزة الاقتصادية
عانت ألمانيا من دمار شامل بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بفضل رؤية “لودفيج إيرهارد”، تم إعادة هيكلة الاقتصاد الألماني وفق مفهوم “السوق الاجتماعي” الذي يجمع بين حرية السوق والعدالة الاجتماعية. وقد استثمرت ألمانيا في التعليم والصحة وصناعة السيارات، مما جعلها اليوم واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم، حيث سجلت فائضًا تجاريًا عالميًا بقيمة 285 مليار دولار عام 2014.
أين يقف العالم العربي؟
لا يزال العالم العربي بعيدًا عن تصدير التكنولوجيا، حيث يفتقر إلى بنية تحتية تدعم الابتكار والتصنيع. فالتطور الاقتصادي في الدول المتقدمة لم يكن ليحدث دون التعليم الجيد، والعمالة الماهرة، ومراكز الأبحاث المتطورة، والإنفاق على البحث العلمي، وهي عوامل غائبة عن العديد من الدول العربية.
مستقبل الاقتصاد التكنولوجي
لا يمكن لأي دولة إيقاف عجلة التطور العلمي، لذا من الضروري أن يبتكر الاقتصاديون نماذج جديدة لقياس نمو الدول بناءً على تقدمها التكنولوجي. فمستقبل الاقتصاد العالمي سيكون مبنيًا على مدى إنتاج وتطبيق التكنولوجيا، مما سيحدد ما إذا كانت الدولة مُصدِّرًا أو مستهلكًا للتكنولوجيا.
فلتقرر كل دولة المسار الذي تريد أن تسلكه.
مراجع
- Rifkin, J. (2014). The Zero Marginal Cost Society: The Internet of Things, the Collaborative Commons, and the Eclipse of Capitalism. St. Martin’s Press.
- Brynjolfsson, E., & McAfee, A. (2014). The Second Machine Age: Work, Progress, and Prosperity in a Time of Brilliant Technologies. W. W. Norton & Company.
- Schwab, K. (2016). The Fourth Industrial Revolution. Crown Business.
- World Economic Forum (2022). Global Competitiveness Report.
- OECD (2021). Digital Economy Outlook.
- Chang, H.-J. (2007). Bad Samaritans: The Myth of Free Trade and the Secret History of Capitalism. Bloomsbury Press.
- Harvard Business Review (2023). The Role of Technology in Economic Growth.
- IMF (International Monetary Fund) – World Economic Outlook (2022).