المقالاتالمنظمة العالمية للتحكيم الدولي والرقميقانونمقالات القانون
أخر الأخبار

المسؤولية القانونية للطبيب بين الخطأ المهني والضمان الجنائي

بين الحق في العلاج وواجب الحذر: تأملات في مسؤولية الطبيب القانونية

 

مقدمة

تُعد مهنة الطب من أنبل المهن وأكثرها ارتباطًا بحياة الإنسان وسلامته، لذا فإن القانون أولى الأطباء عناية خاصة، حيث تبرز المسؤولية القانونية للطبيب عند وقوع خطأ أثناء ممارسة المهنة. يدور هذا المقال حول الإطار القانوني لمسؤولية الطبيب، بين ما يُعد خطأً مهنيًا يترتب عليه التعويض، وما يُعد جُرمًا جنائيًا يعاقب عليه القانون.


أولًا: مفهوم المسؤولية الطبية وأسسها القانونية

تنشأ المسؤولية الطبية عندما يُلحق الطبيب ضررًا بالمريض نتيجة إخلاله بواجباته المهنية. وتقوم هذه المسؤولية على ثلاثة أركان:

  • الركن الأول – الخطأ الطبي: يشمل كل انحراف عن الأصول العلمية المتعارف عليها في مهنة الطب.
  • الركن الثاني – الضرر: يجب أن يكون هناك ضرر مادي أو معنوي أو جسدي أصاب المريض.
  • الركن الثالث – العلاقة السببية: لا بد من إثبات أن الخطأ هو السبب المباشر في وقوع الضرر.

ثانيًا: أنواع المسؤولية القانونية للطبيب

تنقسم المسؤولية القانونية للطبيب إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

أ. المسؤولية المدنية:

تُعنى بالتعويض المالي للمريض، وتُبنى على تقصير الطبيب أو إخلاله بواجباته. يُحكم فيها بالتعويض دون النظر في نية الطبيب.

ب. المسؤولية الجنائية:

تقع في حال تسبب الطبيب، بخطئه الجسيم أو بإهماله، في وفاة المريض أو إصابته بعاهة. وقد تصل العقوبة إلى الحبس في بعض الحالات، خصوصًا إذا ثبتت الرعونة أو عدم التبصر.

ج. المسؤولية التأديبية:

تُفرض من قبل الجهات المهنية (كالنقابة الطبية)، وتشمل الإنذارات، أو إيقاف الترخيص، أو الشطب من سجل الممارسين.


ثالثًا: التفرقة بين الخطأ الطبي والظرف القهري

لا يُعد الطبيب مسؤولًا عن النتائج السلبية إذا ثبت أن ما وقع لم يكن نتيجة تقصير، بل كان ظرفًا قهريًا خارجًا عن إرادته مثل المضاعفات النادرة أو رد فعل جسم المريض غير المتوقع رغم اتباع الإجراءات الصحيحة.


رابعًا: الضمانات القانونية للطبيب

من باب تحقيق العدالة، يضمن القانون للطبيب عدة حقوق، أهمها:

  • عدم مساءلته إلا بعد تقرير لجنة طبية متخصصة.
  • الحماية من الدعاوى الكيدية.
  • الاستفادة من تأمين المسؤولية المهنية.

خامسًا: تطور التشريعات العربية في مجال المسؤولية الطبية

شهدت السنوات الأخيرة في العالم العربي تطورًا ملحوظًا في تنظيم مهنة الطب، مثل:

  • صدور قوانين خاصة بالمسؤولية الطبية في دول مثل الإمارات ومصر والسعودية.
  • إدراج مفاهيم جديدة كـ”الطب المبني على البينة” و”سجلات الموافقة المستنيرة”.
  • إنشاء لجان متخصصة للنظر في أخطاء الأطباء.

خاتمة

تتسم المسؤولية القانونية للطبيب بتوازن دقيق بين حماية المريض من الأخطاء وضمان مهنية الطبيب وكرامته. إن تحقيق هذا التوازن يتطلب تشريعات مرنة، وتحقيقات نزيهة، وتوعية مستمرة للمجتمع الطبي بحقوقه وواجباته.


المراجع

  1. القانون المدني المصري.
  2. قانون المسؤولية الطبية الإماراتي لسنة 2016.
  3. محمد سامي عبد الحميد، “المسؤولية المدنية للطبيب”، دار الفكر الجامعي، 2020.
  4. محمود نجيب حسني، “شرح قانون العقوبات – القسم الخاص”، دار النهضة، 2019.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى